كثيرة هي المصطلحات التي ظهرت بعد الثورة و
التي تراكمت على التونسي حتى أصبحت تكتم أنفاسه و من هذه المصطلحات الجديدة نذكر
"العدالة الإجتماعية" .ممكن أن تكون العدالة الإجتماعية مصطلح مطاطي
تجده في الصحف أو تسمعه دائما من السياسيين في الحملات الإنتخابية و ممكن كذلك أن تكون كلاما علميا مدروس من خلاله تستطيع أن نقيس إلى أي مدى وصلت الدولة
في بناء العدالة الإجتماعية أو إلى أي نقطة تستطيع الدولة الوصول في بناء العدالة
الإجتماعية .لا ترتبط العدالة الإجتماعية بمدى ثراء الدول فمثلا السعودية دولة
ثرية جدا و لكن مستوى العدالة الإجتماعية ضعيف جدا.
اليوم بعد الربيع العربي لاقت العدالة الإجتماعية إهتماما كبيرا من قبل
الخبراء الإقتصاديين بحكم أنها هدف من
أهداف الثورة و كون أنها كذلك مصطلح جديد و لكنه مهم جدا. يمكن تفسير العدالة
الإجتماعية على أنها الرضاء العام للفرد
على الدولة .هذا الرضاء أصبح من الممكن اليوم قياسه بالأرقام .كيف؟
يقول عالم الإقتصاد "لورنز" أن
"كل الثروة الموجودة داخل البلاد يمتلكها كل سكان البلاد" و في المدينة
الفاضلة "المكان الذي يتساوى فيه جميع سكان البلاد في الثروة " أي ان 25
بالمائة من الطبقة الأولى يمتلكون 25
بالمائة من الثروة و 50 بالمائة من الطبقة الثانية يمتلكون 50 بالمائة من الثروة و 25 بالمائة من الطبقة الثالثة يمتلكون 25
بالمائة من الثروة .في تونس يختلف الأمر مثلا 25 بالمائة الأكثر فقرا في تونس لا يمتلكون أكثر
من 5 بالمائة من الثروة في تونس ، و 50 بالمائة من الطبقة الثانية لا يمتلكون أكثر
من 25 بالمائة من الثروة و 25 بالمائة من الطبقة الثالثة أو الأكثر ثراء يمتلكون
70 بالمائة من الثروة . الفرق بين النقاط الثلاث للمدينة الفاضلة و النقاط الثلاث
لتونس هو مؤشر العدالة الإجتماعية (جيني إنداكس)
فكلما صغر المؤشر إنتشرت العدالة الإجتماعية و كلما إزداد الفارق تقلصت
العدالة اجتماعية و تحتل تونس المرتبة 64 في العالم بنسبة 39.8 بالمائة و تنعدم
العدالة الإجتماعية في ناميبيا حيت تحتل المرتبة الأخيرة بنسبة 74.3 بالمائة .
من خلال هذه المؤشرات يستطيع خبراء الإقتصاد
قياس درجة رضاء المواطن التونسي عن نفسه و عن طريقة عيشه و عن الدولة .كذلك يمكن
قياس مؤشر العدالة اجتماعية بإستعمال الراتب أو ما يسمى "العائد على الجهد
" و نسبته في "العائد على الثروة" .هذه الطريقة تجيب على السؤال
التالي :
كم يساوي المواطن حسب عمله (أستاذ، طبيب،
مهندس....) في الدورة الإقتصادية في تونس ؟
لنأخذ مثال أستاذ تعليم ثانوي .يتقاضى
الأستاذ(تعليم ثانوي) التونسي معدل 800 دينار في الشهر.في ظل النظام الرأسمالي
الحالي ، في ظل تحرر الأسعار و في ظل التضخم الموجود حاليا في تونس هناك طريقة
أخرى لكسب 800 دينار شهريا دون اللجوء للعمل وهي أن نضع مثلا وديعة في البنك تدر راتبا
ما قيمته 800 دينار في الشهر أي 9600 دينار في السنة .إذا اعتبرنا أن متوسط العائد
على الدخل في تونس 9 بالمائة فقيمة
الوديعة تساوي 140 ألف دينار . يساوي الأستاذ التونسي في الدورة الإقتصادية
التونسية 140 ألف دينار .
عل صعيد أخر يبلغ متوسط أجور الأساتذة في
فرنسا 5000 دينار تونسي شهريا أي ما يقدر 60000 دينار سنويا و لنفرض أن متوسط سعر
الفائدة يقدر ب 6 بالمائة. تقدر قيمة الوديعة البنكية ب مليون دينار . هنا تقدر قيمة
الأستاذ الفرنسي في الدورة الإقتصادية الفرنسية ب حوالي مليون دينار أي أن الأستاذ الفرنسي أغلى
ثمنا ب 7 مرات من الأستاذ التونسي .
هذه المؤشرات مهمة جدا لمن يريدون بناء عدالة
إجتماعية حقيقية ،لمن يريدون أن يؤسسوا لمستقبل أجمل لأجيال الغد و لمن يريدون
كذلك أن ترتقي تونس إلى مصاف الدول المتقدمة .هذه الأرقام هي هدف من أهداف الثورة
و إنعدامها في السابق هو الذي أدى إلى بروز البرجوازية و الطبقة الكادحة و سيطرة
رأس المال و إنعدام التوازن الإجتماعي و الحقد الطبقي مما نتج عنه في نهاية الأمر إنفجار. إذا أردنا
أن نحقق أهداف ثورتنا و أن نعيد للمواطن التونسي كرامته و نؤسس لمستقبل زاهر
لبلدنا فيجب إصلاح هذه الأرقام و إلا فإن ما نقوم به كله سيبقى في دائرة العبث.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire