mardi 1 mai 2018

تونس : صراع البرجوازيات


     "هذه أخطر  أزمة إقتصادية تعيشها تونس منذ  القرن التاسع عشر" هكذا لخص وزير  الشؤون الاجتماعية الاسبق محمود بن رمضان الوضع في تونس.  تونس التي أنهكها الفساد على مدى 23 سنة من حكم الرئيس السابق لا تزال تعاني اليوم جدلية الثروة و السلطة ، هذه الجدلية التي جعلت من السلطة طريقا للثروة في تونس قامت على مبدأ "كلما إقتربت من دوائر الحكم في تونس كلما زادت نسبة حضوضك في الثراء"، بدأت رائحة الفساد تعبق في أروقة القصور الملكية في عهد البايات  في القرن التاسع عشر لكنها خفت قليلا في عهد الرئيس الاسبق الحبيب بورقيبة بعد النظام  الاقتصادي الذي تم إتباعه و الذي كان يعتمد على الاشتراكية ثم التعاضدية ثم رأسمالية الدولة لكن بداية الانفتاح منذ بداية السبعينات مع وزير المالية أنذاك الهادي نويرة مكنت من بروز عدد من رجال الاعمال التونسيين ما يسمى اليوم بالبرجوزاية التقليدية أو القديمة . لكن بن علي كان مقتنعا بأن بقاؤه في السلطة لن يخدم ولن يعجب هذه البرجوازية فسعى إلى خلق برجوازية موازية وبداية من تسعينات القرن الماضي بدأت تتشكل ما سمي بعد ذلك بالبرجوازية الجديدة ، و كان عماد الطرابلسي (شقيق زوجة الرئيس السابق ) و سليم شيبوب (صهر الرئيس السابق ) أهم نجومها. إعتمدت هذه البرجوازية في تجميع ثرواتها على الابتزاز و الدخول في شركات مع رجال أعمال عن طريق التهديد و الضغط . كما إرتكزت بشكل أساسي على علاقتها برئيس الدولة في ذلك الوقت لايجاد مخارج قانونية لعمليات الفساد و السرقة الممنهجتين. كما تمكنوا من الاستحواذ على عدة قطاعات مثل قطاع الاتصالات عن طريق صخر الماطري صهر الرئيس السابق و قطاع الانتاج السمعي البصري عن طريق بالحسن الطرابلسي شقيق  زوجة الرئيس إضافة إلى قطاع العقارات  و عدة قطاعات أخرى. كما كون عماد الطرابلسي ثروته من خلال فرض عمولات على العمليات التجارية تصل إلى حدود 50 بالمائة حتى أن البعض أصبح يطلق عليه لقب "عماد 50". تشكلت البرجوازية الجديدة عن طريق بناء هرمي إعتمد  بالاساس على عامل القرب من السلطة لتكوين الثروة، فحضي أقارب الرئيس السابق بالنصيب الاوفر من الثروة، يليهم اصدقاؤهم و معاونوهم  بنصيب اقل ، يليهم  رجال الاعمال الذي دخلوا في شراكة معهم، و هكذا كلما بعدت شبكات العلاقات عن قمة الهرم المتمثل في السلطة كلما ضعفت الثروة.

       على الجانب الاخر  شجع إنفتاح الحدود و  العشرية السوداء في الجزائر  على الحدود الغربية  و حصار ليبيا على الحدود الجنوبية على بروز عدد من كبار المهربين الذين أصبحوا يمتلكون ثروات هائلة بفضل تهريب  الكثير من السلع إلى ليبيا و الجزائر .  بدؤا بتهريب الملابس المستعملة في  بداية التسعينات ، ثم توسع نشاطهم بعد ذلك  إلى تهريب الالكتورنيات و المواد الغذائية و قطع الغيار  و الذهب و البنزين ، إلى أن بداية من سنة 2006 بدأت هذه الجماعات في تهريب  مادة النحاس و التي تحتوي على هامش كبير  للربح  حيث يتم شراء الكلغ الواحد من الجزائر ب2.5  دولار  ليتم بيعه لاحقا ب7 دولار  مع إعتبار أنهم يهربون أطنانا كل ليلة بما يسمح ببناء ثروة هائلة في وقت وجيز جدا . المهربون و بعد سنوات طويلة من العمل شكلوا ما سمي في أمريكا اللاتينية برجوازية الاطراف، مواطنون عاديون بسيارات عادية ومنازل عادية لكنهم يمتلكون ثروات هائلة، حتى أن خبيرا إقتصاديا في تونس وصفهم بالفقراء الذين يملكون المال. تصدير منتجات إلى دولة أخرى أو توريد منتجات دون دفع معاليم جمركية أغرى البرجوازية الجديدة  ما سمح بتحالف لم يدم طويلا بين البرجوازية و برجوازية الاطراف، ساهم إلى حدود 2010 في  مساعدة المهربين على تكديس ثروات أخرى بعد الحصول  على غطاء  يحميهم من حراس الهدود ألا وهو الشراكة مع ما سمي "بالطرابلسية" أصهار الرئيس السابق.

       بعد الثورة سعى كل من خولت له الظروف التواجد في سدة الحكم إلى حماية الاثرياء المتعاونين معه، في 2011  أدرجت حكومة الباجي قايد السبسي قائمة باكثر من 120 إسما من رجال الاعمال المتهمين بالفساد مع النظام السابق  من الممنوعين من السفر  لكن تبين بعد ذلك أنه تم إستثناء أكثر من 150 رجل أعمال رغم علاقتهم المشبوهة بالنظام السابق، بعد فوز حركة النهضة أعلن وزير العدل الاسبق نورالدين البحيري أن القائمة تحتوي على 70  رجل أعمال فقط ، و مرة أخرى و بعد إنتخابات 2014  أعلن نداء تونس الحزب الحاكم في الانتخابات أن قائمة رجال الاعمال الممنوعين من السفر  لا تضم سوى 45 إسما. كانت عمليات الاستثثناء تتم عن طريق مدى التعاون مع السلطة الجديدة فأما من رفضوا التعاون  فظلت أسمؤهم في القائمة و أما من قبلوا بعمليات الابتزاز غادرت أسماؤهم القائمة للقيام بنفس الدور و لكن مع حكام جدد. لكن الذي لا لبس أن برجوازية الاطراف أصبحت عاملا مهما بعد المحاولات التي تقوم بها عدة أحزاب لاستقطابهم و بعد خروجهم من عالم التهريب كمصدر وحيد للثروة إلى الاستثمار في عدة مجالات أخرى و في مكان مهم مثل العاصمة ما يحيلنا إلى أن إتفاق باريس بين الباجي قايد السبسي و راشد الغنوشي سوى إتفاق على تقاسم المصالح و النفوذ بين برجوازية الاطراف و جزء من البرجوازية الجديدة الذي تمثلهما النهضة و بين البرجوازية القديمة الذي يمثلها نداء تونس، ولم تكن الحرب على الفساد سوى حرب على جزء من  برجوازية الاطراف  بدليل أن من تم إعتقالهم لهم علاقة من قريب أو من بعيد بالتهريب فيما تعج تونس برجال ألاعمال الفاسدين الذين تم إستثناؤهم .






Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire